الشيطان يحكم _ الدكتور مصطفى محمود

صورة
 قطار اللذة  منذ   ألف   سنة   كان   أقصى   ما   يطمح   فيه   إنسان   قطعة   أرض   و   بضعة   رؤوس   من   الماشية ..  كان   هذا   هو الثري   الأمثل   في   ذلك   العصر ..  و   كان   أقصى   ما   يحلم   به   ذلك   الثري   هي   عربة   مطهمة   يجرها   حصان ليدخل   بها   مجتمع   الوجهاء   و   أهل   الشياكة . و   اليوم   نقول   عن   من   يملك   العربة   و   الحصان   إنه   ((   عربجي))   و   هو   في   اعتبارنا   من   الناس   الدون  . أما   أهل   الشياكة   و   الوجاهة   فقد   استبدلوا   بالأرض   العمارات ..  ثم   استبدلوا   بالعمارات   الشركات ..  ثم استبدلوا   بالشركات   مجرد   دفتر   سندات   أو  ...

قصة سيدنا نوح عليه السلام


قصة سيّدنا نوح

بعثة نوح عليه السلام و حال الناس قبل بعثته 


قبل أن يولد قوم نوح عاش خمسة رجال صالحين من أجداد قوم نوح، زمنا، كانت أسماؤهم : ( ودَّ، سُواع، يغوث، يعوق، نسرا ).. بعد موتهم صنع الناس لهم تماثيل في مجال الذكرى والتكريم، ومضى الوقت.. ومات الذين نحتوا التماثيل.. وجاء أبنائهم.. ومات الأبناء وجاء أبناء الأبناء.. ثم نسجت قصصا وحكايات حول التماثيل تعزو لها قوة خاصة.. واستغل إبليس الفرصة،وأوهم الناس أن هذه تماثيل آلهة تملك النفع وتقدر على الضرر .. وبدأ الناس يعبدون هذه التماثيل .

فبعث الله -تعالىنوحاً -عليه السلامإلى قومه بعد أن ظهرت فيهم الضلالات، والجحود بالله، فكان أوّل رسول يرسله الله إلىالناس في الأرض، وقد جاء عن ابن جبير، وغيره أنّ قوم نوح كان اسمهم بنو راسب، وقد كانت بداية عهد قوم نوح بالجحودبالله حينما عبدوا أصناماً كان قد بناها مَن قبلهم من الأجيال لرجال صالحين منهم؛ تخليداً لذكراهم بعد مماتهم، وقد بَقِيت تلكالنُّصُب فترة من الزمن لا تُعبَد، حتى إذا هلك ذلك الجِيل، وذهب العلم، اتّخذ الناس تلك التماثيل أصناماً يعبدونها من دون الله-تعالى-، قال -عزّ وجلّ-: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا )،[٢فبعث اللهفيهم نوحاً نبيا ورسولا،[٣]


دعوة سيّدنا نوح

بدأ نوح -عليه السلامبعثته بدعوة قومه إلى الإيمان بالله، والتوحيد، وإفراد العبادة لله -تعالىوحده، وذكر لهم فائدة اتِّباعأمره، وطاعته في غفران ذنوبهم، قال -تعالىعلى لسان نبيّه: (يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ)، وترك معاقبتهم، وإمهالهم إن همآمنوا بالله ورسوله إلى أن يحين أجلهم الذي كتبه الله لهم، قال -تعالى-: (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى)، وقد دعا نوح -عليهالسلامقومَه باستخدام شتّى الأساليب؛ حتى يؤمنوا بالله، قال -تعالىعلى لسان نبيّه الكريم: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِيلَيْلًا وَنَهَارًافَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا*وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْاثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا)، وفي هذه الآية وصفٌ لحال قوم نوح حينما كان يدعوهم نبيّهم إلى الإيمان؛ حيثكانوا يَفرّون منه، ويجعلون أصابعهم في آذانهم؛ كي لا يسمعوا كلامه، كما أنّهم كانوا يتّغطّون بثيابهم، مُصرِّين علىجحودهم، ومُستكبِرين في عنادهم.

دعا نوح قومه سِرّاً فيما بينه وبينهم، كما دعاهم عَلناً بصوت مرتفع، وأمرهم باستغفار الله -تعالى-، وذكّرهم بعاقبة التائبينالمُستغفِرين حينما يرسل الله عليهم السماءَ مُتتابِعةً بالرزق الوفير، ويُمدِدهم بالأموال، والبنين، ويُصيِّر أرضَهم جنّات، وأنهاراً،قال -تعالى-: (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا*ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا*فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَغَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا)، ثمّ ذكّر نوح قومَه بعظمة الله -تعالىالتي تتجلّى في خَلق الإنسان أطواراً؛ حيثيبتدِئُ خَلقه نُطفةً، ثمّ علقةً، ثمّ مضغةً، ثمّ يخلق الله العظام، ويكسوها اللحمَ، وقد قابل قوم نوح -عليه السلامدعوته بالعصيان،والمخالفة، والإصرار على ما فيهم من الجحود، والضلالة، ومَكروا لنبيّهم مكراً عظيماً، وحينما استيأس نوح -عليه السلاممندعوة قومه، دعا عليهم، ومن دعائه ما جاء في قوله -تعالىعلى لسان نوح : (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّاضَلَالًا)؛ أي أن يطبع الله على قلوبهم بضلالهم فلا يهتدوا إلى الحقّ، ثمّ قال -تعالى-: (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِمِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)؛ أي ربِّ لا تترك الكافرين على هذه الأرض؛لأنّهم إن تُرِكوا، أضلّوا الناس عن سبيل الحقّ، والهدى، ولا يلدون إلّا الذي لا يؤمن بدينك، و يجحد نعمتك . 

وقد أكّدت قصّة نوح -عليه السلامعلى أنّ النَّسب والقرابة والرابطة الزوجيّة لا تشفع لصاحبها إذا أصرّ على الكفر بالله-تعالىوالصّد عن سبيله؛ فقد ضرب الله -جلّ وعلافي كتابه العزيز مَثلاً للذين كفروا، فقال:(ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُواامْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًاوَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)؛ إذ كانت كلٌّ من إمرأة نوح، وإمرأة لوط في عصمة نبيَّين صالحَين من عباد الله، وكانتواعلة زوجة نوح -عليه السلام - تُعين قومها على زوجها؛ حين كانت تتّهمه بالجنون، إلى جانب أنّها لم تؤمن بدعوته؛ فكان ذلكالأمر بمثابة خيانة لزوجها؛ ولذلك استحقّت تلك المرأة العذاب من عند الله -تعالىمع مَن كَفر من قوم نوح، ولم تنفعها رابطةالزوجية مع رجل كانت مكانته عالية عند ربّه في دَفع العذاب عنها؛ فكلّ إنسان مسؤولٌ أمام ربّه عن نفسه . 


السفينة معجزة سيدنا نوح

يُجري الله -تعالىالمعجزات على أيدي أنبيائه، ورُسُله؛ تأييداً لهم في دعواهم أمام أقوامهم؛ والمعجزة هي أمر خارق للعادة،تخترق قوانين الكون، وتجري بغير ما أَلِفَته النّفوس، وتكون المعجزة مُقترِنة بالتحدّي، وتستحيل معارضتها بالإتيان بمثلها، وقدكانت السفينة هي معجزة سيّدنا نوح -عليه السلام-؛ حيث أوحى الله إليه أن يصنعَها، حتى إذا جاء أمر الله، وفار التنّور الذيكان مصنوعاً من حجارة، علماً أنّ الله جعل فوران الماء منه علامة على مجيء أمره، وقد أمر الله نوحاً أن يحمل على السفينةمن كلّ شيء حيٍّ زوجَين؛ ذكراً، وأنثى، ولم يثبت عدد الذين حُمِلوا على السفينة في الكتاب، أو السنّة، ثمّ أبحرت سفينة نوحبهم عبر المياه المرتفعة، تدفعها الريح الشديدة مُشكّلة بذلك ما يُشبه الجبال في عُلوّها، وعظمتها، ورُوِي عن ابن كثير أنّ طولالماء بلغ خمسة عشر ذراعاً كما ورد عند أهل الكتاب، بينما ورد في رواية أخرى أنّه بلغَ ثمانين ذراعاً.

ويُشار إلى أنّ سفينة نوح -عليه السلامكانت مصنوعة من الأخشاب، قال -تعالى-: (وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ)؛فقد بدأ نوح -عليه السلامصناعة السفينة بأمر الله -تعالىله؛ حيث جلب الأخشاب، وصَنع من مادّتها الألواح، ثمّ وضعالألواح بجانب بعضها، وثبّتها بالدسر؛ أي المسامير، وكان قومه كلّما مَرّوا عليه يسخرون منه؛ لصُنعه السفينة على اليابسة،قال -تعالى-: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَاتَسْخَرُونَ)، 

وتجدر الإشارة إلى أنّ زوجة نوح، وابنه كانا ممّن تخلَّف عن ركوب السفينة؛ بسبب كُفرهم، وعصيانهم لنبيّهم؛ حيث دعا نوح-عليه السلامابنه إلى ركوب السفينة قبل أن تُبحر في المياه، وكانت دعوته لابنه؛ لعدم يقينه من كونه أحد الكافرين الذين كتبالله عليهم الغرق في الطوفان؛ ظانّاً بعودته عن الكفر، وقِيل إنّه كان يأمل من ابنه أن يراجع نفسه فيلتحق بالمؤمنين فيالسفينة، ويترك الكافرين، إلّا أنّه رفض الاستجابة لنداء أبيه بالانضمام إليه، والتجأ إلى المَعزل الذي ظنَّ أنّه سيحميه منالطوفان بعيداً عن أهل الإيمان مُعتقدِاً أنّه سينجو، إلّا أنّه لا عاصم من أمر الله في هذا اليوم العصيب سوى من كَتب الله لهالنجاة برحمته . 


عقوبة قوم نوح

كانت عقوبة قوم نوح الذين كفروا الغرقَ بالطوفان؛ بسبب خطاياهم، ثمّ عقوبة النار في الآخرة، قال -تعالى-: (مِّمَّاخَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا )، وبعد أن نجّى الله نوحاً، ومن معه، استوَتسفينته على الجوديّ؛ وهو جبلٌ في الجزيرة كما رُوِي عن مجاهد، ورُوِي عن الضحّاك أنّه جبلٌ في الموصل . 


العِبَر المُستفادة من قصّة سيّدنا نوح

تُستَفاد من قصّة نوح -عليه السلامالعديد من العِبر، والعِظات، منها ما يأتي: 

  • اتِّفاق الأنبياء، والرُّسل على الدعوة إلى الأصل الأساسيّ من أصول الإيمان، وهو توحيد الله -تعالى-، ونَبذ الشرك، قال-تعالى-: (قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ) . 
  • ضرورة استنفاد الأساليب جميعها في الدعوة إلى دين الله؛ فقد استخدم نبيّ الله نوح -عليه السلامعدّة أساليبمُتنوّعة في دعوة قومه؛ أملاً في جَذب قلوبهم للإيمان، ومن ذلك: الدعوة إلى الله سرّاً وجَهراً، ليلاً ونهاراً، واستخدامأسلوب الترغيب عند التذكير بالثواب العاجل والآجل لمَن يُؤمن بالله، وذِكر أنواع هذا الثواب، ومنه إرسال المطر، والزيادةفي المال والبنين، كما ورد استخدام أسلوب الترهيب؛ وذلك بالتذكير بعقاب الله لمَن عَصاه، مع إقامة البراهين على صِدقالدعوة والرسالة.
  • بيان حقيقة الإخلاص التامّ لله -تعالىعند الأنبياء والمُرسلين، وتتجلّى هذه الفضيلة في عبوديّتهم لله، وفي دعوتهملأقوامهم، وصَبرهم على ذلك، قال -تعالى-: (وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّه).
  • فضيلة ذِكر الله -تعالى-، وحمده، والاستعانة به في حركات الإنسان، وتقلُّباته جميعها، قال -تعالى-: (وَقَالَ ارْكَبُوافِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا)، وكذلك سؤال الله البركة عند نزول الأماكن، ودخول المساكن، قال -تعالى-: (وَقُلرَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ )
  • بيان فضيلة الصبر؛ فقد صبر نوح -عليه السلامفي دعوته حينما لَبِث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً.

للمزيد من التفاصيل عن سيدنا نوح -عليه السلامالاطّلاع على مقالة: ((بحث عن سيدنا نوح عليه السلام)).


 

تعليقات

  1. قصص الأنبياء هي مجموعة مختلفة من القصص التي تم ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بتفسير القرآن الكريم، وقد تم تأليف الكثير من الكتب عبر العصور الإسلامية تتناول قصص الأنبياء، وقصص الأنبياء تشمل الخمسة وعشرين نبياً المذكورين في القرآن الكريم، بدءاً من آدم انتهاءً بمحمد، وتشمل هذه القصص حياتهم قبل النبوة، ودعوتهم إلى قومهم، والابتلاءات والمحن التي تعرضوا لها.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

السيرة النبوية الشريفة بقلم الدكتور مصطفى محمود الجزء _٤ _

السيرة النبوية الشريفة بقلم الدكتور مصطفى محمود الجزء _ ٤ _